Saturday, June 20, 2009

أثر القرآن في بناء شخصية وإتزانها

أثر القرآن في بناء شخصية وإتزانها


الحافظ عبدالماجد


الحمد لله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، والصلاة والسلام على معلم الناس الخير، البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين، أما بعد:


فإنه في خصم أزمات الحياة المادية، يجب على المسلم أن يخلو بربه تعالى، ويتمتع بلذة مناجاته، والتشرف بالخلوة به، والتنعم بتدبر رسالته الخالدة، التي أنزلها لتكون نبراسا للعالمين.



أما بعد:


إن القرآن كتاب منفرد من حيث الفصاحة والبلاغة ولن توجد مثالا مثل فصاحة القرآن وبلاغته وله طريقة وحيدة في إصدار الأحكام وفق نفسيات الإنسان كما له أسلوب ممتاز في التأثير على شخصية الإنسان.

ومن المشهور أن صحابي آمن عندما سمع: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ([1]). بأن الكاذب لا يستطيع أن يقول مثل هذا.

فلهذه الفصاحة والبلاغة والأسلوب الممتاز في التأثير على شخصية الإنسان قال تعالى تهديا:

﴿ وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ([2]).

وقال أيضا: (أفلا يتدبرون القرآن) وغير ذلك من الآيات أنزل الله سبحانه وتعالى في هذا المجال.

ولا شك أن القرآن يعلم الأحكام وفق نفسيات الإنسان، مثل إن آمن أحد على عقيدة التوحيد فهو مأمون من جميع جوانب الخوف والشكوك كما هو يؤمن على أن الله تعالى هوالمعين والناصر وما سواه فهو باطل وكاذب. القرآن معجز فى جميع مجالاته، وعلى جميع أصعدته00([3]).


نرى كل يوم أن الشعراء ينشدون الشعر وفق شعور الناس ونفسياتهم أي يستعمل ألفاظا ينشر منها الفرح والسرور كما ينشد شعراء يظهر منه الغم والحزن والأسف والملال فيكون هذه الأشعار تشجيعا للناس كما تكون سببا لإطفاء شعورهم فلذا كان العرب يذهبون بالشعراء في الحرب كي يشجعون الحاربين بأشعارهم وقصائدهم.فهكذا القرآن كتاب مؤثر في نفسيات الإنسان وشخصيتهم كما سوف ترى في الصفحات الآتية:



منـزلة الشاعر في الجاهلية ومرتبه:


كان الشاعر من ضرورات القبيلة، يعلن مناقبها، ويرد بشعره كيد أعدائها ويحمسها في الحرب ويهديها في السلم فكان مقامه منها مقام صحق الأحزاب اليوم كل صحيفة تبين وجهة نظر حزبه، وتدافع عن آرائه وتصد هجوم أعدائه وتنشر ما استطاعت مبادئه وتشيد بذكر مزاياه ومناقبه، كذلك كان الشعراء فكان يقال: إن قائد القبيلة الفلانية فلان وفارسها فلان وشاعرها فلان.

وقال ابن رشيق في كتابه "العمدة" مشيرا إلى منـزلة الشاعر في العصر الجاهلي:

كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزامير كما يصنعن في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان لأنه حماية لأغراضهم وذب عن أحسابهم وتخليد لمآثرهم وإشادة بذكرهم"


أثر الشاعر في البيئة:


إن الشعراء لهم أثر كبير في بيئة ويقرؤوا الرجز في الحروب ونالوا المطالب والمقاصد ببيان أسلوبه ويرتفعون لمن يمدحون وينخفضون لمن يذمون وفي ألسنتهم سحر ويسهلون لمشكلاتهم بسحر لسانهم وإنهم يبعدون الحسد والبغض لقلوب الناس.

وإن يردوا فيجعلوا الحسن قبيحا والقبيح حسنا والباسل جبانا وجبان باسلا والناقص كاملا وكامل ناقصا بأشعارهم وكلامهم.



دراسة مقارنة بين الأدب الجاهلي والقرآن:


إن بين القرآن والأدب الجاهلي فرق واضح الذي يعلم عالم اللغة العربية وأغراض الشاعر في الجاهلية هى الحماسة والفخر والمدح والهجاء والرثاء والغزل والنسيب والوصف والحكمة.



قصة حسان بن ثابت وخنساء:


كانت الفصاحة والبلاغة على علوها وارتفاعهما في جميع أنحاء العرب حينما كان ينزل القرآن، ففي مرة كان الشعراء الكبار والخطباء العظام في سوق عطاظ، ففي هذا الإجتماع أنشد حسان بن ثابت بيتين في مدحه وتلك هي:

لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى
وأسيافنا يقطرن من نجدة ودما
ولدينا بنى العنقاء وابنى محرق
فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما

وكانت الخنساء في ذلك المكان وإنها كانت شاعرة كبيرة وما كانت لها نظيرا في الرثاء فعندما سمعت خنساء أشعار حسان بن ثابت فصرخ وقالت يا حسان! إن في أشعارك ثمانية أغلاط ولا يليق لك أن نشد هذه الأشعار الممزقة بالأغلاط.

وقال حسان بن ثابت ماهى الأغلاط في أشعاري؟

فأوضحت الخنساء لتلك الأغلاط على نفس المكان، وبينت أربعة أغلاط في الجزء الأول من بيته:


· الأول: إنك استعملت لفظ "جفنات" التي جمع القلة وتدل على مادون من العشرة إن استعملت "جفان" مكان الجفنات فيكون أحسن وأبلغ لأنه هو جمع الكثرة وتدل على ما فوق العشرة.


· والثاني: إنك استعملت لفظ "الغر" ومعناه بيض الذي توجد على الجبهة، فإن استعملت لفظ "بيض" فيكون أحسن وأبلغ لأنه فيه وسعة.


· والثالث: إنك استعلمت "يلمعن" ويلمعن هولمع التي تظهر لوقت قليل ثم تخفى إن استعملت "يشرقن" فيكون أحسن وأبلغ لإن الإشراق هى اللمع الذي دوام له.


· والربع: إنك استعملت لفظ "ضحى" إن استعملت لفظ "عيشه" فيكون أحسن وأبلغ وأوضحت الخنساء ثلاثة أغلاظ في الجزء الثاني من البيت.


· الأول: إنك استعملت لفظ "أسيافنا" التى جمع القلة إن استعملت "سيوفنا" مكان الأسياف فيكون أحسن وأبلغ لأنه هى جمع الكثرة.


· والثاني: إنك استعملت لفظ "دم" إن استعملت لفظ "دماء" فيكون أحسن وأبلغ منه.



وقالت الخساء في البيت الآخر:


إنك افتخرت على الأولاد اعزازا ولكن أبويك أحق منهم ان تفتخر بهم ([4]).

دراسة مقارنة بين الآيات القرآن المجيد وأشعار امرؤالقيس:

يعد امرؤالقيس من أبرز الشعراء الجاهلين وأشهرهم كان امرؤالقيس شاعرا فصيحا في العرب.




أشعار إمرئ القيس:


مكر مفر مقبل مدبر معا


كجلمود صخر حطه السيل من عل


كميت يزل البلد عن حال متنه


كما زلت الصفواء بالمتنـزل


على الزبل جياش كان اهتزامه


اذا جاش فيه حميه غلى مرجل


مسح اذا ماالسابحات على الونى


اثرن الغبار بالكديد المركل



قد قام بإتيان أسلوب جميل وألفاظ مرشحة وسهل ممزق بالفصاحة والبلاغة:



الآيات من القرآن:


﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا([5]).



دراسة تقابلية بين الآيات القرآن المجيد وأشعار إمرئ القيس:

· استعمل الشاعر أحدى وخمسون لفظا


· وفي الآيات اثنا عشر لفظا.


· وغرض الشاعر من هذه الأشعار هو المدح الفرس فقط


· وفي الآيات مدح الفرس ضمنا لا أصلا


· قد قام الشاعر بمدح تخيلي.


· تشبيه سرعة الفرس بالحجر ليس مناسب.


· تشبيه سرعة الفرس بالنار إستعارة لطيفة


· وفي الأشعار تزوير ومبالغة في المدح


· وفي الآيات ليس مبالغة وليس فيه تزوير بل فيه حقيقة.




التيجة:


الموضوع الذي بين القرآن في اثنا عشر لفظا لا يمكن للشاعر أن يبينها في إحدى وخمسون لفظا فهذا هو إعجاز القرآن.





أسلوب القرآن:


لا يعرف فضل القرآن وفضل أسلوبه إلا من عرف كلام العرب فعرف علم اللغة وعلم العربية وعلم البيان ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقاولاتها في مواطن افتخارها ورسائلها وأراجيزها وأسجاعها، فعلم منها تلوين الخطاب ومعدوله وفنون البلاغة وضروب الفصاحة وأجناس التجنيس وبدائع البديع ومحاسن الحكم والأمثال فإذا علم ذلك ونظر في هذا الكتاب العزيز رأي أن الله سبحانه وتعالى قد أودع ألفاظ هذا الكتاب من ضروب الفصاحة وأجناس البلاغة وأنواع الجزالة وفنون البيان وغوامض اللسان وحسن الترتيب والتركيب وعجيب المنطق ما أذهل عقول العقلاء وأخرس ألسنة الفضلاء وألغى بلاغة البلغاء، وطاشت به حلومهم وتلاشت دونه علومهم واقصرت خطبهم وقصائدهم وأراجيزهم وأسجاعهم([6]).


وليس في وسع أحد أن يعرف أسلوب القرآن حق تعريفه لإن علماء اللغة وفصحائها وبلغائها رغم مضى أربعة عشر قرنا لم يستطيعوا بعد أن يعبروا بحور كنوزه ولم يستطيعوا أن يعرفوا عن كل هو فيها من لآلي البلاغة وجواهر الفصاحة فقد تقاصرت عن بلاغته بلاغة البلغاء وقعدت عنه فصاحة الفصحاء فإنني أحاول فيما يأتي من السطور الدلالة بعض الدلالة على محاسن أسلوبه وبيانه مقتبسا من كتب سلفنا الصالح.


إن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن الكريم على أسلوب من الكلام لا يماثله أسلوب قبله ولا بعده من كلام البشر فليس هو بشعر ولا هو سجع ملتزم ولا هو مزواجة دائمة ولاهو تثر مرسل إرسال الحديث ولا هو خطابة وإنما هو نظم بديع من كلام عذب اللفظ محكم الوضع باهر الروعة فصل بين أجزائه تفصيلا تشعر النفس عند إنتهاء أي فاصلة منه بانتهاء القول وتطمئن إلى الوقف عليها ولو تعلق بها ما بعدها وتتنوع طرقه في الإقناع بتنوع طبائع المخاطبين به فمن قصص على أشكال مختلفة في إطناب أو إيجاز أو توسط وبفواصل طوال أو قصار أو متوسطة، ومن إستدلال على حقائق الأمور بالآثار المشاهدة في خلق السموات والأرض أو ضرب الأمثال أو بقياس الغائب على الحاضر أو بالبراهين النظرية ومن تصريح وتكرير إلى كناية ومجاز.


وقد قال ابن خلدون عن القرآن وأسلوبه "إنه وإن كان من المنثور إلا أنه مع ذلك خارجا عن صفتي النثر معا، وهما المنطق والنثر المسجوع"


فللقرآن أسلوب عجيب يخالف ما كانت تنهجه العرب في نظمها ونثرها فحسن تأليفه والتئام كلماته، ووجوه إيجازه وجودة مقاطعه وحسن تدليله وانسجام فصصه وبديع أمثاله، كل هذا وغيره جعله أعلى درجات البلاغة وجعل لإسلوبه من القوة ما يملأ القلب روعة لا يمل قارئه ولا يخلق ببرديده يسجع أحيانا ولا يلتزم السجع، ويوازن أحيانا، ولا يلتزم الموازنة، قد إمتاز بسهولة ألفاظ حتى قل أن تجد فيها غريبا، وهى مع بسهولتها جزلة عذبة، وألفاظه بعضها مع بعض متشاكلة منسجمة لا تحس فيهالفظا منافرا لأخيه، فإذا أضفت إلى ذلك سمو معانيه، أدركت سر بلاغته وإعجازه.


وأيضا إن القرآن كان إلى جانب فنونه في الأسلوب يشمل فنونا أخرى من الأدب وهى: القصة والوعظ والوصف وخاصة وصف الجنة والنار.

وقد بلغ الوصف في القرآن درجة رفيعة جدا عند ما تناول المشاهد الحسية، كما كان القرآن مع كل ذلك سفرا جليلا من الناحية التشريعية والإجتماعية، وكل هذه الجوانب فيه كان لها تأثير بارز على الحياة الفكرية وتطورها عند العرب، ذلك التطور الذي كان بدوره ذا أثر حاسم في الحياة الأدبية عند العرب، وعند المسلمين بصورة عامة([7]).



أما أسلوب القرآن الكتابي فقد كان يعتمد على الدقة المتناهية في التشبيه والتمثيل وهو يجمع الجزالة والفخامة إلى السهولة والإنسياب وهوبالإضافة إلى ذلك كثير الوضوح موفور العذوبة والإنسجام ومن ثم كان رفيعا في بلاغته حتى سميت هاته البلاغة فيه "إعجازا" ونلاحظ أيضا أن أسلوب القرآن كان يتبع موافق الناس إزاء الدعوة فهو في أكثر السور المكية كسورة "ص" و"ق" قصير الآيات، قوى المقاطع، قوي المعاني في تهديد ووعيد.


وهو في السور المدنية في غير الغزوات، طويل الآيات هادي المقاطع، يفيض لبنا ورحمة يبعثان الأمل، ويذهبان باليأس([8]).


فأسلوبه دال على أن القرآن هو من عندالله وليس هو كلام البشر لأن القرآن قد صور هذه الفنون البلاغية المذكورة بالصورة التي هي فوق طاقة البشر لأن البشر إذا أجاد أحدهم في فن من الكلام قصر في غيره.


وإن القرآن في شدته ولينه وطول مقاطعه وقصرها لا يباري فإنه قد أعجز الفصحاء والبلغاء وأخرس الأدباء والشعراء كان قد تحدى العرب أن يأتوا بمثله بل بعشر سور مثله بل بسورة من مثله فلم يحر أحد منهم جوابا.

﴿وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ([9]).


ومن أجل هذا عز على الدارسين أن يستوعبوا القرآن درسا وبحثا، وأن يبلغوا منه غاية أو نهاية، لأن الدرس والبحث من أدوات الناس، وهما في عجز لا شك عن الإحاطة كل الإحاطة بكلام الله، والعلم كل العلم بكتاب الله.



تعريف الشخصية:


عرف بعضهم الشخصية: (بأنها وحدة متكاملة الصفات والمميزات، الجسمية والعقلية والإجتماعية والمزاجية التي تبدو في التعامل الإجتماعي التي تميزه عن غيره من الأفراد تمييزا واضحا فهي تشمل دوافع الفرد وعواطفه وميوله واهتماماته وسماته الخلقية وآراءه ومعتقداته، كما تشمل عاداته الإجتماعية وذكاءه ومواهبه الخاصة ومعلوماته وما يتخذه من أهداف ومثل وقيم اجتماعية) يقول د.عمادالدين خليل مشيرا إلى ذلك التحول النوعي الذي طرأ على عقل المسلم لدى اتصاله بالقرآن: إن (نيسج القرآن الكريم نفسه، ومعطياته المعجزة، من بدئها حتى منتاها في مجال العقيدة والتشريع والسلوك والحقائق العلمية تمثل نسقا من المعطيات المعرفية كانت كفيلة بمجرد التعامل المخلص الذكى المتبصر معها أن تهز عقل الإنسان وأن تفجر ينابيعه وطاقاته وأن تخلق في تركيبه خاصية التشوق المعرفي لكل ما يحيط به من مظاهر ووقائع وأشياء) ويمكننا أن نقول: إن كل الآداب والتشريعات التي جاءت في القرآن الكريم ذات صبغة إجتماعية واضحة، وإن الهدف منها تنظيم الحياة في المجتمع الإسلامي على أساس مبادئ العدل والمساوة والحق التي جاء بها الإسلام.



الخطوة الأولى (إيمان كامل بالله تعالى):


إن أول شئ الذي أثر في البناء الشخصي للإنسان المسلم هو عقيدة توحيد وتقوية صلته بالله عزوجل إلى الدرجة التي تجعله يراقبه في السر والعلن، في كل حركاته وسكناته، فهو لا يقدم على شئ إلا وهو يراعي حرمة الله ويرجو له وقارا ومعنى ذلك أن المسلم في علاقته بربه يستشعر الخشية والخوف منه في نفس الوقت يتوجه إليه بالرجاء وذلك الخوف وهذا الرجاء يملآن قلبه بشعور عارم من التحرر من جميع المخاوف لأنه يشعر بقوة أن الله وحده هومالك أمره ومقرر مصيره وإليه يرجع الأمر كله هوالذي يملك تبارك أسمه أن يضره وأن ينفعه، أما غيره فأسباب عرضية ليس لها من الأمر شئ وهكذا فإن المسلم الذي يتشبع بقيم الإسلام يتحرر من الشعور بالخوف على الحياة، أو الخوف على الرزق، أو الخوف علىالمكانة والمركز، فالحياة بيدالله ليس لمخلوق قدرة على أن ينقص هذه الحياة ساعة أو بعض ساعة. هذا الأمر نخبر بآية: "قل هو الله أحد" أن الإنسان لما اعتقد هذه العقيدة فبرئ لكل أشياء باطل.




الخطوة الثانية: (اليسر مع العسر)


إن بعد الجوع شبع وبعد الظماء ري وبعد السهر نوم وبعد المرض عافية وبعد الفقر غناء وبعد السجن حرية سوف يصل الغائب ويهتدي الضال ويفك العاني وينقشع الظلام ﴿فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ([10]).


بشر الليل بصبح صادق يطارده علىرؤوس الجبال ومسارب الأودية بشر المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء ولمح البصر بشر المنكوب بلطف خفى وكف حانيه. إذا رئيت الصحراء تمتد وتمتد فعلم أن وراءها رياض خضراء ورافه الظلال، إذا رئيت الحبل يشتد ويشتد فعلم أنه سوف ينقطع مع الدمعة بسمة ومع الخوف آمن ومع الفزع سكينة النار لا تحرق إبراهيم التوحيد لأن الرعاية الربانية فتحت نافذة بردا وسلاما البحر لا يغرق كليم الرحمن لأن الصوت القوي الصادق نطق بـ ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِي([11]).



الخطوة الثالثة: (الشكر لله)


المعنى أن نذكر نعم الله عليك فإذا هي تغمرك منن فوقك ومن تحت قدمك ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ([12]).



صحة في بدن أمن في وطن غذاء وكسل هواء وماء لديك وأنت ما تشعر تملك الحياة وأنت لا تعلم عندك عينان ولسان وشفتان ويدان ورجلان وأمن في أوطان (فبأي آلاء ربكما تكذبان) هل هي مسألة سهلة أن تمشي على قدميك وقد بترت أقدام، وأن تعتمد على ساقيك وقد قطعت سوق، أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار الألم نوم الكثير وأن تملأ معدتك من الطعام الشهي وأن تكرع من الماء البارد وهناك من عكر عليه الطعام ونغص عليه المنام بأمراض وأسقام تفكر في سمعك وقد عوفيت من الصمم تأمل في نظرك وقد سلمت من العمي، أنظر إلى جلدك وقد نجوت من البرض والجذام، ألمح عقلك وقد أنعم عليك بحضوره ولم تفجع بالجنون والذهول.



الخطوة الرابعة: (الرضاء بالقضاء)


﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ([13]). فليعلم من جهل وليدري من غفل جف القلم، رفع الصحف، قضى الأمر، كتبت المقادير ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ([14]). الله بتوكلنا حسبنالله ونعم الوكيل.



إن هذه العقيدة إذا رسخت في نفسك وقرت في ضميرك صارت البلية عطية والمخنة منحه وكل الوقائع جوائز وأوسمة مومن يرد الله به خيرا يصب منه فلا يصب منه فلا يصبك قلق من مرض أو موت او خسارة مالية أو احتراق بيت فإن الباري قد قدر والقضاء قد حل والإختبار هكذا والخيرة لله والأجر حصل والذنب غفر.هنيئا لأهل المائب صبرهم ورضاهم عن الأخذ المعطي القابض الباسط ولن تهدأ أعصابك ولن تسكن بلابل نفسك ولن تذهب نفسك حسرات، لا تظن أن بوسعك إيقاف الجدار أن ينهار وحبس الماء أن ينسكب ومنع الريح أن تهب وحفظ الزجاج أن ينكسر هذا ليس بصحيح على رغمي ورغمك سوف يقع المقدور وينفذ القضاء ويحل المكتوب فمن شاء فليؤمن ومن شاء فيكفر إستسلم للقدر قبل أن تتطوق بجيش السخط والتدمر والعويل اعتراف بالقضاء قبل أن يدهمك سيل الندم أذن فليهدأ بالك وإذا فعلت الأسباب وبذلت الحيل ثم وقع ما كنت تحذر فهذا ما كان ينبغي أن يقع ولا تقل لو إني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل واسمع إلى الجوائز وإلى الأوسمة وإلى الأعطيات للصابرين المحتسبين.



الخطوة الخامسة: (الدعاء)


﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ([15]). فينجي الغريق ويرد الغائب ويعافي المبتلي وينصر المظلوم ويهدى الضال ويشفى المريض ويفرج عن المكروب ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ([16]).


ولن أسرد عليك هنا ادعية إزالة الهم والحزن والغم فهي معلومة في السنة إذا وجدت الطريق إلى ربك كل شئ وإن فقدت الإيمان به فقد قدت كل شئ إن دعائك ربك عبادة أخرى وطاعة عظمى ثانية فوق أصول المطلوب وإن عبدا يجيد فن الدعاء حري ألا يهتم ولا يغتم ولا يحزن ولا يقلق كل الجبال تتصرم إلا حبله، كل الأبواب توصيد إلا بابه، كل الطرق تغلق إلا طريقه هو قريب سميع مجيب يجيب المضطر إذا دعاه، يأمرك وأنت الفقير الضعيف المحتاج وهو الغنى القوي الواحد الماجد بأن تدعوه ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ([17]).


إذا استعدت عليك النوازل إذا ألمت بك الخطوب فالهج بذكره واهتف باسمه واطلب مدده وأسأله فتحه ونصره مرغ الجبين لتقديس إسمه، لتحصل على تاج الحرية، وأرغم الأنف في طين عبوديته لتحوز وسام النجاة مد يديك ارفع كفيك أطلق لسانك أكثر من طلبه بالغ في سؤاله ألح عليه ألزم بابه... انتظر لطفه ترقب فتحه، أشدو باسمه، أحسن الظن به انقطع إليه، تبتل إليه تبتيلا حتى تسعد وتفلح.



الخطوة السادسة: (ذكر الله)


الصدق حبيب الله، الصراحة صابون القلوب، التجربة برهان الرائد لا يكذب أهله لا يوجد عمل أشرح للصدر وأعظم للأجر كالذكر﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِي([18]).


وذكره سبحانه جنة في أرضه من لم يدخل جنة الآخرة وهو إنقاذ للنفس من أوصابها وأتعابها وأضرارها إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحيانا فننتكس أذكرونا مثل ذكرانا لكم ربا ذكرى قربت من نزحا وهو الطريق الميسر المختصر إلى كل فوز وفلاح طالع دواوين الوحي لترى فوائد الذكر، جرب مع الأيام بلسمه لتنال الشفاء بذكره سبحانه تنقشع سحب الخوف والفزع والهم والحزن بذكره تزاح جبال الكرب والغم والآسي الله أكبر كل هم ينجلي عن قلب كل مبكر ومهلل ولا عجب أن يرتاح الذاكرون فهذا هو الأصل الأصيل لكن العجب العجاب كيف يعيش الغافلون عن ذكره

يا من شكا الأرق وبكى من الألم وتفجع من الحوادث ورمته الخطوب هيا أهتف باسمه تقدس في علياءه هل تعلم له سميا أن بقدر إكثارك من ذكره ينبسط خاطرك يهدأ قلبك تسعد نفسك يرتاح ضميرك لأن في ذكره معاني التوكل والثقة والإعتماد والتفويض وحسن الظن وانتظار الفرج فهو قريب إذا عدى سميع إذا نودي مجيب إذا سئل فضرع وخشع وخضع وأخشع وردد إسمه الطيب المبارك.



الخطوة السابعة: ( الإستعانة بالصبر والصلوة)


﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ([19]).


إذا همك الخوف وطوقك الحزن وأخذ الهم بتلابيبك قم حالا إلى الصلاة تذوب لك روحك وتظمئن نفسك إن الصلاة كفيلة بإذن الله بأحتياح مستعمرات الأحزان والغموم ومطاردة فنون الأكتئاب كان صلى الله عليه وسلم إذا أحز به أمر قال ((أرحنا بالصلاة يا بلال))فطانت قرة عينه وسعادته وبهجته وقد طالعت سير أقوام أفذاذ كانت إذا ضافت بهم الضوائق وكشرت في وجههم الخطوب فزعوا إلى صلاة خاشعة فتعود لهم قواهم وإرادتهم وهممهم، إن صلاة الخوف فرضت لتؤدي ساعة الرعب يوم تتطاير الجماجم وتسيل النفوس على شفرات السيوف فإذا الثبات والسكينة والرضوان والأنس.



الخطوة الثامنة: (التوكل على الله)


تفويض الأمر إلى الله، التوكل عليه، الثقة بوعوده، الرضاء بصنيعه وحسن الظن به انتظار الفرج منه، من أعظم ثمرات الإيمان ومن أحل صفات المؤمنين وحينما يطمئن العبد إلى حسن العاقبة ويعتمد على ربه في كل شأنه يجد الرعاية والولاية والكفاية والتأييد والنصرة لما ألقى إبراهيم عليه السلام في النار قال حسبنا الله ونعم الوكيل فجعلها الله عليه بردا وسلاما، ولما قيل لرسولنا صلى الله عليه وسلم ان الناس قد جمعوا لكم قال حسبنا الله ونعم الوكيل﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ([20]).


إن الإنسان وحده لا يستطيع أن يصارع الأحداث ولا يقاوم الملمات ولا ينازل الخطوب لأنه خلق ضعيف، عاجز ولكنه حينما يتوكل على ربه ويثق بمولاه ويفوض الأمر إليه يجد النصرة والتأييد والفتح والإعانة ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ([21]).



فيامن أراد ان ينصح نفسه توكل على القوي الغني ذوالقوة المتين لينقذك من الويلات ويخرك من النكبات ويجعل شعارك ودثارك حسبنا الله ونعم الوكيل وإن قل مالك وكثر دينك وجفت مواردك وشح مصادرك فناد حسبنا الله ونعم الوكيل، وإذا خفت من عدو أو رعبت من ظالم أو فزعت من خطب فاهتف حسبنا الله ونعم الوكيل.



الخطوة التاسعة: (الصبر)


التحلى بالصبر من شيم الأفذاذ الذين يتلقون المكارة برحابه صدر وقوة إراة وبمناعة أبية وان لم اصبر أنا وأنت فما نصنع هل عندك حل لنا غير الصبر، هل تعلم لنا زاد غيره كان أحد العظماء مسرح تركض فيه المصائب وميدان تسابق فيه النكبات كلما خرج من نكبه دخل في أخرى وكلما نجا من كربه تعرض لثانية وهو متترس بالصبر ومتدرع بالثقة بالله حتى قال: إن كان عندك يا زمان بقية... مما يهان بها الكرام فهاتها فجعل الله له فرجا ومخرجا، هكذا يفعل النبلاء يصارعون الملمات يطرحون النكبات أرضا.



الخطوة العاشرة: (الأوساط في جميع الأمور)


العدل مطلب عقلي وشرعي لا غلو ولا جفاء لا إفراط ولا تفريط، ومن أراد السعادة فعليه أن يضبط عواطفه، واندفاعاته، وليكن عادلا في رضاه وغضبه، وسروره وحزنه، لأن الشطط والمبالغة في التعامل مع الأحداث ظلم للنفس، وما أحسن الوسيطة، فإن الشرع نزل بالميزان والحياة قامت على القسط، ومن أتعب الناس من طاوع هواه، واستسلم لعواطفه وميولاته، حينها تتضخم عنده الحوادث، وتظلم لديه الزوايا، وتقوم في قلبه معارك ضارية من الأحقاد والدخائل والضغائن لأنه يعيش في أوهام وخيالات، حتى إن بعضهم يتصور أن الجميع ضجه وأن الآخرين يحبكون مؤامرة لأبادته وتملى عليه وساوسه أن الدنيا له بالمرصاد، فلذلك يعيش في صحب سود من الخوف والهم والغم.





[1] . سورة النحل، الآية:90.

[2] . سورة البقرة، الآية: 23.

[3] . دراسات قرانية، محمد قطب ص45.

[4] . الإتفان في علوم القرآن، ج1ص161.

[5] . سورة العاديات، الآيات: 1-5.

[6] . لا يأتون بمثله،محمد قطب، ص 10.

[7] . إعجاز القرآن ص 165.

[8] . الإتقان في علوم القرآن، ج1ص150.

[9] . سورة البقرة، الآية: 23.

[10] . سورة المائدة/5، الآية:52.

[11] . سورة الشعراء، الآية: 62.

[12] .سورة إبراهيم، الآية: 34.

[13] . سورة الحديد: الآية:22.

[14] . سورة التوبة: الآية: 51.

[15] . سورة النمل، الآية: 62.

[16] .سورة العنكبوت، الآية: 65.

[17] . سورة غافر، الآية: 60.

[18] . سورة البقرة، الآية:152.

[19] . سورة البقرة، الآية:153.

[20] . سورة آل عمران، الآية: 174.

[21] . سورة المائدة، الآية:23.

0 comments

Post a Comment